وسمعه الأعلى، وبصره وسائر صفاته عليا، كان له المثل الأعلى، وكان أحق به من كل ما سواه، بل يستحيل أن يشترك في المثل الأعلى اثنان؛ لأنهما إن تكافآ لم يكن أحدهما أعلى من الآخر، وإن لم يتكافآ فالموصوف بالمثل الأعلى أحدهما وحده، ويستحيل أن يكون لمن له المثل الأعلى مثل أو نظير.
وهذا برهان قاطع من إثبات صفات الكمال على استحالة التمثيل والتشبيه، فتأمله فإنه في غاية الظهور والقوة، ونظير هذا القهر المطلق، مع الوحدة فإنهما متلازمان، فلا يكون القهار إلا واحدًا، إذ لو كان معه كفؤ له، فإن لم يقهره لم يكن قهارًا على الإطلاق، وإن قهره لم يكن كفؤًا، وكان القهار واحدًا فتأمل كيف كان قوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)﴾ [الشورى: ١١].
وقوله: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ [الروم: ٢٧](١) من أعظم الأدلة على ثبوت صفات كماله سبحانه.
فإن قلت: قد فهمت هذا وعرفته فما حقيقة المثل الأعلى؟
قلت: قد أشكل هذا على جماعة من المفسرين واستشكلوا قول السلف فيه، فإن ابن عباس وغيره قالوا: ﴿مَثَلُ السَّوْءِ﴾ العذاب والنار. ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ شهادة أن لا إله إلا الله.
وقال قتادة: هو الإخلاص والتوحيد.
وقال الواحدي: هذا قول المفسرين في هذه الآية، ولا أدري لم قيل للعذاب مثل السوء وللإخلاص المثل الأعلى.
(١) انظر: «هداية الحيارى» (ص/ ٣٥٥) ط عالم الفوائد.