وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللهُ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، وَمَثَلُ المُؤْمِنِ فِي الْخَيْرِ الَّذِي عِنْدَهُ ثُمَّ رَزَقَهُ مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ سِرًّا وَجَهْرًا، وَالْكَافِرُ بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ مَمْلُوكٍ عَاجِزٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا خَيْرَ عِنْدَهُ، فَهَلْ يَسْتَوِي الرَّجُلَانِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْعُقَلَاءِ (١).
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَشْبَه بِالمُرَادِ، فَإِنَّهُ أَظْهَرُ فِي بُطْلَانِ الشِّرْكِ، وَأَوْضَحُ عِنْدَ المُخَاطَبِ، وَأَعْظَمُ فِي إقَامَةِ الْحُجَّةِ، وَأَقْرَبُ نَسَبًا بِقَوْلِهِ: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٧٣) فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٧٤)﴾ [النحل: ٧٣، ٧٤].
ثُمَّ قَالَ: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ﴾ وَمِنْ لَوَازِمِ هَذَا الْمثلِ وَأَحْكَامِهِ أَنْ يَكُونَ المُؤْمِنُ المُوَحِّدُ كَمِنْ رَزَقَهُ مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا، وَالْكَافِرُ المُشْرِكُ كَالْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، فَهَذَا مِمَّا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمثلُ وَأَرْشد إلَيْهِ، فَذَكَره ابْنُ عَبَّاسٍ مُنَبِّهًا عَلَى إرَادَتِهِ، لأَنَّ الْآيَةَ اخْتصَّتْ بِهِ، فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّك تَجِدْهُ كَثِيرًا فِي كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ فِي فَهْمِ الْقُرْآنِ، فَيظنُّ الظان أَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الْآيَةِ الَّتِي لَا مَعْنَى لَهَا غَيْرُهُ فَيَحْكِيه قَوْلهُ.
* * *
(١) أخرج نحوه الطبري في «التفسير» رقم (٢١٦٠١) وإسناده مسلسل بالضعفاء.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute