للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٣٠ - قال : ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٧٥) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٦)[النحل: ٧٥، ٧٦].

هَذَانِ مَثَلَانِ مُتَضَمِّنَانِ قِيَاسَيْنِ مِنْ قِيَاسِ الْعَكْسِ، وَهُوَ نَفْيُ الْحُكْمِ لِنَفْيِ عِلَّتِهِ وَمُوجِبِهِ، فَإِنْ الْقِيَاسَ نَوْعَانِ:

قِيَاسُ طَرْدٍ: يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ لِثُبُوتِ عِلَّةِ الْأَصْلِ فِيهِ.

وَقِيَاسُ عَكْسٍ: يَقْتَضِي نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ الْفَرْعِ لِنَفْيِ عِلَّةِ الْحُكْمِ فِيهِ.

فَالمَثَلُ الْأَوَّلُ مَا ضَرَبَهُ اللهُ سُبْحَانَهُ لِنَفْسِهِ وَلِلْأَوْثَانِ، فَاللهُ سُبْحَانَهُ هُوَ المَالِكُ لِكُلِّ شَيْءٍ، يُنْفِقُ كَيْف يَشَاءُ عَلَى عَبِيدِهِ سِرًّا وَجَهْرًا وَلَيْلًا وَنَهَارًا، «يَمِينُهُ مَلْأَى لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةُ سَحَّاءَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ» (١) وَالْأَوْثَانُ مَمْلُوكَةٌ عَاجِزَةٌ لَا تَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، فَكَيْف تَجْعَلُونَهَا شُرَكَاءَ لِي وَتَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِي مَعَ هَذَا التَّفَاوُتِ الْعَظِيمِ وَالْفَرْقِ المُبِينِ؟ هَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ (٢) وغَيْرِهِ.


(١) يشير إلى ما أخرجه «البخاري» رقم (٤٦٨٤)، ومسلم رقم (٩٩٣) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله قَالَ: «يَدُ اللهِ مَلأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِى يَدِهِ، وَقَالَ: عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ وَبِيَدِهِ الأُخْرَى الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ».
(٢) في إسناده مقال: أخرجه الطبري في «التفسير» رقم (٣١٦٠٣) من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.

<<  <   >  >>