وحصول الظلمات التي هي الضلالة والرضى بها بدلا عن النور الذي هو الهدى، فبذلوا الهدى والنور وتعوضوا عنه بالظلمة والضلالة فيا لها من تجارة ما أخسرها وصفقة ما أشد غبنها.
وتأمل كيف قال الله ﷾ ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ فوحده ثم قال ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ﴾ فجمعها فإن الحق واحد وهو صراط الله المستقيم الذي لا صراط يوصل إليه سواه، وهو عبادته وحده لا شريك له بما شرعه على لسان رسوله ﷺ لا بالأهواء والبدع وطرق الخارجين عما بعث الله به رسوله ﷺ من الهدى ودين الحق بخلاف طرق الباطل فإنها متعددة متشعبة.
ولهذا يفرد سبحانه الحق ويجمع الباطل، كقوله ﷾: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾ [البقرة: ٢٥٧] وقال ﷾: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ … الآية﴾ [الأنعام: ١٥٣] فجمع سبل الباطل ووحد سبيل الحق ولا يناقض هذا قوله ﷾ ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾ [المائدة: ١٦].
فإن تلك هي طرق مرضاته التي يجمعها سبيله الواحد وصراطه المستقيم فإن طرق مرضاته كلها ترجع إلى صراط واحد وسبيل واحد وهي سبيله التي لا سبيل إليه إلا منها.
وقد صح عن النبي ﷺ أنه خط خطًّا مستقيمًا وقال:«هذا سبيل الله» ثم خط خطوطًا عن يمينه وعن شماله فقال: «هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه»، ثم قرأ قوله ﷾: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ