للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٥٣)(١).

وقد قيل: إن هذا مثل للمنافقين وما يوقدونه من نار الفتنة التي يوقعونها بين أهل الإسلام ويكون بمنزلة قوله : ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ﴾ ويكون قوله : ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ مطابقًا لقوله : ﴿أَطْفَأَهَا اللَّهُ﴾.

ويكون تخييبهم وإبطال ما راموه هو تركهم في ظلمات الحيرة لا يهتدون إلى التخلص مما وقعوا فيه ولا يبصرون سبيلا بل هم صم بكم عمي، وهذا التقدير وإن كان حقا ففي كونه مرادًا بالآية نظر، فإن السياق إنما قُصِد لغيره ويأباه قوله ﴿فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ﴾ وموقد نار الحرب لا يضيء ما حوله أبدًا، ويأباه قوله ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ وموقد نار الحرب لا نور له ويأباه قوله ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ﴾ وهذا يقتضي أنهم انتقلوا من نور المعرفة والبصيرة إلى ظلمة الشك والكفر.

• قال الحسن : هو المنافق أبصر ثم عمي وعرف ثم أنكر (٢).

ولهذا قال: ﴿فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ (٣) أي: لا يرجعون إلى النور الذي فارقوه، وقال في حق الكفار: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٧١)﴾ فسلب العقل عن الكفار، إذ لم يكونوا من أهل البصيرة والإيمان، وسلب الرجوع عن المنافقين


(١) صحيح: أخرجه أحمد (١/ ٤٣٥). وانظر: حاشية «الاعتصام» (ص/ ٤٤) ط ابن رجب.
(٢) ذكره ابن أبي حاتم «التفسير» وأسند نحوه (١٨٥) عن عطاء وإسناده ضعيف.
(٣) قال قتادة: قوله ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾: صمٌّ عن الحق فلا يسمعونه، عميٌ عن الحق فلا يبصرونه، بُكمٌ عن الحق فلا ينطقون به. أخرجه الطبري في «التفسير» (٤٠١) بإسناد حسن.

<<  <   >  >>