للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

سفره وصانع عن صنعته، ولا بصيرة له تنفذ إلى ما يؤول إليه أمر ذلك الصيب من الحياة والنفع العام. وهكذا شأن كل قاصر النظر ضعيف العقل لا يجاوز نظره الأمر المكروه الظاهر إلى ما وراءه من كل محبوب.

وهذه حال أكثر الخلق إلا من صحت بصيرته، فإذا رأى ضعيف البصيرة ما في الجهاد من التعب والمشاق والتعرض لتلاف المهج (١) والجراحات الشديدة وملامة اللوام ومعاداة من يخاف معاداته لم يقدم عليه لأنه لم يشهد ما يؤول إليه من العواقب الحميدة والغايات التي إليها تسابق المتسابقون، وفيها تنافس المتنافسون.

وكذلك من عزم على سفر الحج إلى البيت الحرام، فلم يعلم من سفره ذلك إلا مشقة السفر ومفارقة الأهل والوطن، ومقاساة الشدائد وفراق المألوفات ولا يجاوز نظره وبصيرته آخر ذلك السفر ومآله وعاقبته فإنه لا يخرج إليه ولا يعزم عليه، وحال هؤلاء حال ضعيف البصيرة والإيمان الذي يرى ما في القرآن من الوعد والوعيد والزواجر والنواهي والأوامر الشاقة على النفوس التي تفطمها عن رضاعها من ثدي المألوفات والشهوات، والفطام على الصبي أصعب شيء وأشقه.

والناس كلهم صبيان العقول، إلا من بلغ مبالغ الرجال العقلاء الألباء (٢) وأدرك الحق علمًا وعملًا ومعرفة فهو الذي ينظر إلى ما وراء الصيب وما فيه من الرعد والبرق والصواعق، ويعلم أنه حياة الوجود.


(١) أَي: الروحُ. «لسان العرب» (مادة: مهج).
(٢) الألباء: جمع لبيب وهو: العاقل.

<<  <   >  >>