وأين الأقوال والآراء التي إذا مات أنصارها والقائمون بها فهي من جملة الأموات، إلى النصوص التي لا تزول إلا إذا زالت الأرض والسماوات.
لقد استبان والله الصبح لمن له عينان ناظرتان؛ وتبين الرشد من الغي لمن له أذنان واعيتان، لكن عصفت على القلوب أهوية البدع والشبهات والآراء المختلفات، فأطفأت مصابيحها وتحكمت فيها أيدي الشهوات فأغلقت أبواب رشدها وأضاعت مفاتيحها، وران عليها كسبها وتقليدها لآراء الرجال، فلم تجد حقائق القرآن والسنة فيها منفذًا وتمكنت فيها أسقام الجهل والتخليط فلم تنتفع معها بصالح الغذاء، واعجبًا جعلت غذاءها من هذه الآراء التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولم تقبل الاغتذاء بكلام الله ﷾ ونص نبيه المرفوع، واعجبًا لها كيف اهتدت في ظلم الآراء إلى التمييز بين الخطأ فيها والصواب، وعجزت عن الاهتداء بمطالع الأنوار ومشارقها من السنة والكتاب، فأقرت بالعجز عن تلقي الهدى العلم من مشكاة السنة والقرآن، ثم تلقته من رأي فلان ورأي فلان.
فسبحان الله ماذا حرم المعرضون عن نصوص الوحي واقتباس الهدى من مشكاتها من الكنوز والذخائر، وماذا فاتهم من حياة القلوب واستنارة البصائر، قنعوا بأقوال استنبطتها معاول الآراء فكرًا، وتقطعوا أمرهم بينهم لأجلها زبرًا وأوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا، فاتخذوا لأجل ذلك القرآن مهجورًا، درست معالم القرآن في قلوبهم فليسوا يعرفونها، ودثرت معاهده عندهم فليسوا يعمرونها ووقعت أعلامه من أيديهم فليسوا يرفعونها، وأفلت كواكبه من آفاقهم فليسوا يبصرونها، وكسفت شمسه عند اجتماع ظلم آرائهم وعقدها فليسوا يثبتونها، خلعوا نصوص الوحي عن سلطان الحقيقة وعزلوها عن ولاية اليقين وشنوا عليها غارات التحريف بالتأويلات الباطلة، فلا يزال يخرج عليها