للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣ - قال : ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (٢٦)

[البقرة: ٢٦].

وهذا جواب اعتراض اعترض به الكفار على القرآن، وقالوا: إن الرب أعظم من أن يذكرَ الذباب والعنكبوت ونحوها من الحيوانات الخسيسة، فلو كان ما جاء به محمد كلام الله، لم يذكر فيه الحيوانات الخسيسة، فأجابهم بأن قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ (١) فإن ضرب الأمثال بالبعوضة فما فوقها، إذا تضمن تحقيق الحق وإيضاحه وإبطال الباطل وإدحاضه كان من أحسن الأشياء، والحسن لا يُستحيا منه، فهذا جواب الاعتراض.

فكأن معترضًا اعترض على هذا الجواب أو طلب حكمه ذلك، فأخبر عما له في ضرب تلك الأمثال من الحكمة، وهي: إضلال من شاء وهداية من شاء.

ثم كأن سائلًا سأل عن حكمة الإضلال لمن يُضِلُّهُ بذلك، فأخبر عن حكمته وعدله، وأنه إنما يضل به الفاسقين: ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٧] فكانت أعمالهم هذه القبيحة التي ارتكبوها سببًا لأن أضلهم وأعماهم عن الهدى (٢).


(١) للعلماء في قوله تعالى: ﴿فَمَا فَوْقَهَا﴾ قولان:
أحدهما: فما هو أكبر منها؛ والثاني: فما دونها في الصغر، والحقارة.
(٢) «بدائع الفوائد» (٤/ ١٥٤٩ - ١٥٥٠) ط عالم الفوائد.
ساق الطبري رقم (٥٦٩) بإسناد حسن عن قتادة: «﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ﴾، فسقوا فأضلَّهم الله على فِسقهم».

<<  <   >  >>