للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤ - قال : ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٧١)[البقرة: ١٧١].

فَتَضَمَّنَ هَذَا المَثَل نَاعِقًا، أَيْ: مُصَوِّتًا بِالْغَنَمِ وَغَيْرِهَا، وَمَنْعُوقًا بِهِ وَهُوَ الدَّوَابُّ، فَقِيلَ: النَّاعِقُ الْعَابِدُ وَهُوَ الدَّاعِي لِلصَّنَمِ، وَالصَّنَمُ هُوَ المَنْعُوقُ بِهِ المَدْعُوُّ، وَإِنَّ حَالَ الكَافِرِ فِي دُعَائِهِ كَحَالِ مَنْ يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُهُ، هَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُه (١).

وَاسْتَشْكَلَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» (٢) وَجَمَاعَةٌ مَعَهُ هَذَا القَوْلَ، وَقَالُوا: قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً﴾ لَا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تَسْمَعُ شيئا دُعَاءً وَلَا نِدَاءً.

* وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا الِاسْتِشْكَالِ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ:

* أَحَدُهَا: أَنَّ «إلَّا» زَائِدَةٌ، وَالمَعْنَى بِمَا لَا يَسْمَعُ دُعَاءً وَنِدَاءً، قَالُوا: وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الأَصْمَعِيُّ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

حَرَاجِيح مَا تَنْفَكُّ إلَّا مُنَاخَةً (٣)


(١) أخرج الطبري في «تفسيره» رقم (٢٤٦٢) بإسناد صحيح إلى ابن زيد قال: في قوله: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً﴾ قال: الرجل الذي يصيح في جَوف الجبال فيجيبه فيها صوت يُراجعه يقال له: الصَّدى. فمثل آلهة هؤلاء لَهم، كمثل الذي يُجيبه بهذا الصوت، لا ينفعه، لا يَسمع إلا دعاء ونداء. قال: والعرب تسمي ذلك الصدى.
وأخرج رقم (٢٤٥٦) بإسناد حسن عن قتادة في قوله: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً﴾، يقول: مثل الكافر كمثل البعير والشاة، يسمع الصوت ولا يعقل ولا يدري ما عُني به.
وانظر تفسير الآية في: «الطبري»، و «زاد المسير»، و «القرطبي».
(٢) (١/ ٢١٢).
(٣) قاله ذو الرمة، يصف إبلًا، وهو في «ديوانه».

<<  <   >  >>