غير أن اشتراك اللغات في الكلمات المحاكية للطبيعة، على هذا النحو، أمر نادر. ولو كانت هذه النظرية صحيحة، للاحظنا اشتراكا بين اللغات في الكلمات التي تحاكي الطبيعة، مثل: الشق، والدق، والقطع، والصهيل، والعواء، والمواء، وما إلى ذلك. ولقد سمعت الديك العربي في بلاد العرب، والديك الألماني في بلاد الألمان، يصيحان بطريقة واحدة دون أدنى فرق، غير أننا نحاكي صوت الديك فنقول: كوكوكو! ويقول الألمان: kikeriki كيكيركي!
ويرى بعض العلماء، بناء على هذه النظرية، أن مناسبة اللفظ للمعنى، مناسبة حتمية، بمعنى أن اللفظ يدل على معناه دلالة وجوب، لا انفكاك فيها. وممن نادى بهذا الرأي "عباد بن سليمان الصيمريط من المعتزلة، فقد ذهب إلى أن بين اللفظ ومدلوله مناسبة طبيعية، حاملة للواضع على أن يضع هذه اللفظة أو تلك، بإزاء هذا المعنى أو ذاك. ويروون عن بعض من تابعه على رأيه هذا، أنه كان يقول: إنه يعرف مناسبة الألفاظ لمعانيها، فسئل عن معنى كلمة: "إذغاغ"، وهي بالفارسية: الحجر، كما يقولون. فقال: أجد فيه يبسا شديدا، وأراه الحجر! ١
وإننا نشك كثيرا في صحة هذه الراوية، وصدق نظرية الصيمري، فإنه لو صح ما قاله، لاهتدى كل إنسان إلى كل لغة على وجه الأرض. نعم، قد يحدس الإنسان معنى كلمة من الكلمات في لغة من اللغات، بخبراته في هذه اللغة، فإن مجرد النطق باللفظ، يستدعي إلى الذهن أمثاله من الألفاظ، ويستدعي معها دلالاتها، ويستوحي المرء من كل هذا دلالة لذلك