للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللفظ المجهول، على أساس ما اختزنه في حافظته، وقد يوفق في هذا الاستيحاء، غير أنه كثيرا ما يخيب، وهنا يؤدي اختلاف الخبرات السابقة إلى اختلاف الحدسات الناتجة.

وخذ مثلا كلمة: "عتيد" فإنك إذا ذكرتها أمام من لا يعرف معناها الأصلي، وهو: "حاضر، معد، مهيأ"، فهو لا شك سيقيسها على كلمة: "عنيد" إن كانت من حصيلته اللغوية، فيعطيها نفس معناها، وهو: "جبار" أو "قوي مثلا"، أو يقيسها على كلمة: "عتيق" إن برزت له وقتئذ من بين خبراته اللغوية السابقة، فيعطيها نفس معناها، وهو: "قديم" أو "موغل في القدم".

ومن أنصار المناسبة بين اللفظ والمعني، من علماء العربية، العلامة اللغوي أبو الفتح عثمان بن جني، الذي عقد في كتابه "الخصائص" بابا طويلا، جعل عنوانه: "باب في إمساس الألفاظ أشباه المعاني"١، ذكر فيه ألفاظا كثيرة من اللغة العربية، تؤكد كلها نظريته في مناسبة الصوت للمعنى الدال عليه.

وأغلب الظن أن بذرة هذه الفكرة، قد وجدت عند قدامى النحويين واللغويين، قبل أن جني؛ لأنه يرجع في هذا الباب إلى بعض آراء الخليل وسيبويه، فهو يروي عن الخليل أن العرب قالوا في الدلالة على صوت الجندب: "صَرَّ"؛ لأن في صوته امتدادا واستطالة، أما البازي فدلت العرب على صوته بالفعل: "صرصر"؛ لأن فيه تقطيعا وعدم استمرار. كما يذكر عن سيبويه تفسيره لوجود الحركات الكثيرة، في المصادر التي جاءت


١ انظر: الخصائص ٢/ ١٥٨-١٦٨ وانظر كذلك المزهر للسيوطي ١/ ٤٨

<<  <   >  >>