الفصحى لأبنائنا، كما ينبغي، فلم تفلح مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا عموما في إنشاء علاقة الود بين المتعلمين وهذه اللغة، ولم تنجح في غرس حب القراءة في النشء منذ الصغر.
ولعل السبب في ذلك يرجع إلى اعتقاد الكثيرين منا، بأن في تعليم قواعد اللغة تعليما للغة. وتفكيرنا في الأمر على هذا النحو، كتفكير من يعلم قواعد العروض لكي ينشئ شاعرا، أو كتفكير من يحفظ صفحتين في قواعد قيادة السيارات، ثم يظن أنه بهذا الحفظ وحده، قد أصبح سائقا ماهرا، فإن اهتمامنا بتعلم القواعد النحوية في مرحلة مبكرة من حياة الطفل، جعلنا نظن أن مقياس إجادة اللغة، هو البراعة في حفظ المصطلحات النحوية، والتفنن في عد مسوغات الابتداء بالنكرة، ومجيء الحال معرفة، وأحوال الصفة المشبهة وما إلى ذلك.
كل هذه الأمور وأمثالها، يرددها التلميذ في هذه السن المبكرة بلا وعي، ثم ينساها عقب الفراغ من الامتحان، ولا يبقى في ذهنه منها إلا التندر على صعوبة اللغة العربية، وما لاقاه في تعلمها من عنت ومشقة.
وإنني لست بهذا أحط من أهمية قواعد اللغة، ولا أقلل من قدرها في الوقوف على سر اللغة والتمكن منها. ولكني أحذر من وصعها في المقام الأول، ونسيان الفطرة التي جبل عليها الإنسان في تعلم اللغة. خذ لغة التخاطب مثلا، وانظر كيف يتعلمها الطفل؟! إننا لا نشرح له أية قاعدة من قواعدها، ولكن الذي يحدث هو أننا نتكلم، والطفل يحاكي ويقلد، حتى إذا أخطأ لا يجد من حوله يشرحون له القاعدة، وإنما يكررون الصواب أمامه ... وهكذا وعن هذه الطريق وحدها، يلم الطفل بتراكيب اللغة ومعانيها حفظا وفهما، ويهضم كل ذلك ثم يقيس عليه، ويكتمل نضج لغة