للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخطاب لديه في وقت قصير دون أن يعلم شيئا عن قواعدها وقوانينها وضوابطها.

وإذا كان هذا هو المنهج الفطري في تعلم اللغة، فلماذا لا نفيد منه في تعلم العربية الفصحى؟ حقا إن العربية الفصحى لا يتكلمها الناس في كل وقت حول التلميذ، كما نتحدث بالعامية أمام الطفل، ولكن هناك طريق آخر يقوم مقام السماع، وهو طريق القراءة، قراءة النصوص الأدبية القديمة، وما نسج على نمطها في العصور المختلفة، قراءة واعية صابرة، مع حفظ الكثير والكثير جدا، من هذه النصوص الجيدة شعرا ونثرا. وعلى رأس هذه النصوص جميعها بالطبع، نص القرآن العظيم، وفي هذه الحالة تتكون الملكة القادرة على محاكاة هذه النصوص، والنسج على منوالها.

ولقد نادى بمثل ذلك العلامة ابن خلدون، فقال: "ووجه التعليم لمن يبتغى هذه الملكة ويروم تحصيلها، أن يأخذ نفسه بحفظ كلامهم القديم، الجاري على أساليبهم، من القرآن والحديث، وكلام السلف ومخاطبات فحول العرب في أسجاعهم وأشعارهم، وكلمات المولدين أيضا في سائر فنونهم، حتى يتنزل لكثرة حفظه لكلامهم من المنظوم والمنثور، منزلة من عاش بينهم، ولقن العبارة منهم"١.

هذا ما قاله ابن خلدون. وإنه لا شيء أجدى على من يريد تعلم لغة ما، من الاستماع إليها، والقراءة الكثيرة في تراثها، وحفظ الجيد من نصوصها، وإذا كنا أمام الفصحى لا ننعم بالوسيلة الأولى وهي الاستماع؛ إذ أكثر ما نسمعه عامي أو فصيح ملحون أو مليء بالخطأ، أو ركيك العبارة


١ مقدمة ابن خلدون ٤٨٧.

<<  <   >  >>