للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بينهم وتداولها على ألسنتهم، واحترامهم إياها، وثقتهم بها في حمل أفكارهم ومعتقداتهم، والتعبير عن انفعالاتهم وعواطفهم، واستخدامهم إياها في كل ما يعن لهم من شئون الحياة السهلة، أو القضايا الفلسفية المعقدة. كما تبدو قيمتها كذلك فيما تعبر عنه من رصيد فكري وحضاري كبير.

وإن الجاهلين بهذه المسلمات اللغوية، ليعيبون لغتنا الفصحى، بأنها قاصرة عن استيعاب علوم العصر؛ لأنها -كما يقولون- لغة سلفية جامدة، تتطلع إلى الوراء بدلا من اتجاهها إلى الإمام.

ويحضرني هنا في الرد على هذه الفرية، كلام للعالم اللغوي الشهير "فندريس"، يقول فيه: "الواقع أننا لا نعلم إطلاقا لغة قد قصرت عن خدمة إنسان عنده فكرة يريد التعبير عنها"، ثم يقول عقب هذا: "فلا ننصت إذن إلى أولئك المؤلفين العاجزين، الذين يحملون لغاتهم مسئولية النقص الذي في مؤلفاتهم؛ لأنهم هم المسئولون، على وجه العموم، عن هذا النقص"١.

واللغة العربية الفصحى، لم تخلد على الزمن، ولم يمتد بها العمر أربعة عشر قرنا، وإلى ما شاء الله، إلا لما تحمل من عناصر البقاء، المتمثل في هذا التراث الحضاري، وتلك العقيدة السامية، التي شرف الله بها العربية، حين اختارها وعاء لما فيها من أفكار وتصورات، ولما آتى الله أهلها من جلد وصبر على تحمل تبعاتها، ودأب في البحث عن أسرارها وخفاياها.

وقد امتحنت العربية الفصحى في التاريخ مرتين، في ناحية القدرة على استيعاب الأفكار الجديدة، واجتازت هذا الامتحان بنجاح كبير، فهذه


١ اللغة لفندريس ٤٢١.

<<  <   >  >>