هي الأفكار الدينية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية الغراء، قد استوعبتها العربية الفصحى، وعبرت عنها أدق تعبير وأبلغه. كما أن حركة الترجمة من اللغات الأجنبية في العصر العباسي الأول، لم تقصر العربية الفصحى عن تحمل تبعاتها، ولم يشك واحد من المترجمين آنذاك، من قصور الفصحى عن استيعاب الأفكار الفلسفية والعلمية، التي كانت لمفكري الإغريق والرومان والسريان وغيرهم.
وما نجاح تدريس الطب بالعربية الفصحى في سوريا الشقيقة، في عصرنا الحاضر، إلا برهان آخر على قدرة لغتنا الجميلة، على استيعاب علوم العصر، والتعبير عن مظاهر مستحدثات الحضارة.
إنهم يعيبون اللغة، والعيب فيهم هم. وفي رأينا أن اللغة لا تعجز عن التعبير عن أي معنى من المعاني، متى قام في نفوس المتكلمين بها، فالفكرة متى قامت في ذهن الإنسان، استطاع التعبير عنها بلغته، إن كان متمكنا من هذه اللغة، وعاملا على رفعة شأنها.
أما الدعوى الثالثة، فإننا نرى كيف تعلو من آن لآخر، صيحات أثيمة في الوطن العربي، تدعي صعوبة الكتابة بالفصحى، وتدعو لذلك إلى هجرها، والكتابة بالعامية، بحجج يبدو فيها الزيف والضلال، وهي إن جازت على بعض ذوي العقول الضعيفة، والنفوس المريضة، فإنها لم تخدع بحال من الأحوال جمهرة العرب، الذين آمنوا بربهم، وتمسكوا بكتابهم، وعرفوا أن في حياة هذه اللغة الشريفة حياة لدينهم وتراثهم، وهم في هذه موقنون.