الأزمان، لولا كل هذا، لأمست العربية الفصحى لغة أثرية، تشبه اللاتينية أو السنسكريتية، ولسادات اللهجات العربية المختلفة في نواحي الأرض العربية، وازدادت على مر الزمان بعدا عن الأصل الذي انسلخت منه.
هذا هو السر الذي يجعلنا لا نقيس العربية الفصحى، بما يحدث في اللغات الحية المعاصرة، فإذا أقصى عمر هذه اللغات في شكلها الحاضر، لا يتعدى قرنين من الزمان، فهي دائمة التطور والتغير، وعرضة للتفاعل مع اللغات المجاورة، تأخذ منها وتعطي، ولا تجد في كل ذلك حرجا؛ لأنها لم ترتبط في فترة من فترات حياتها بكتاب كريم، كما هي الحال في العربية.
ولكن هل معنى هذا كله، أن العربية الفصحى لغة جامدة، تحجرت عبر عصور بادت وانقرضت، وفصل بيننا وبينها مئات السنين، مع أن طابع الحياة التجدد والتغير، والعالم يصحو كل يوم على جديد، في العلم والفن والسياسة والاجتماع؟!
نقول نحن في الرد على هذا التساؤل، الذي قد يخطر في ذهن بعض الناس: إن العربية الفصحى تحمل في طبيعة تكوينها عنصر التجدد والحياة، إن أفاد أهلها من منهجها العظيم في القياس، والاشتقاق، والنحت، والتعريب.
فلا حجر على أي مستخدم للفصحى، يصوغ جملا عربية، تشبه في نظامها جمل العرب، في موقع مفرداتها، وأبنية كلماتها، ودلالة ألفاظها، وإن لم تكن تلك الجمل بعينها مما قاله العرب. وقد أحسن ابن جني حين عقد في كتابه:"الخصائص" فصلا، ذهب فيه إلى أن ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب١.