والاشتقاق المقصود هنا هو الاشتقاق الصرفي، وهو المعروف عند علماء اللغة باسم:"الاشتقاق الأصغر"، ويعرفه السيوطي بأنه:"أخذ صيغة من أخرى، مع اتفاقهما معنى ومادة أصلية وهيئة تركيب لها، ليدل بالثانية على معنى الأصل، بزيادة مفيدة، لأجلها اختلفا حروفا أو هيئة، كضارب من ضرب، وحَذِرٍ من حَذِرَ"١.
وهذا النوع من الاشتقاق قياسي؛ إذ لا يعقل أن يسمع عن أصحاب اللغة، جميع المشتقات في كل مادة من مواد اللغة، فكثير من تلك الصيغ، التي يجوز اشتقاقها لا وجود لها فعلا في نص صحيح من نصوص اللغة، فهناك فرق كبير بين ما يجوز لنا اشتقاقه من صيغ، وما اشتق فعلا، واستعمل في أساليب اللغة المروية عن العرب، فليس من الضروري أن يكون لكل فعل اسم فاعل، أو اسم مفعول، رويا لنا في نصوص اللغة، فربما لا يحتاج المتكلم أو الكاتب إلى كليهما من فعل من الأفعال، فالمشتقات تنمو وتكثير حين الحاجة إليها، وقد يسبق بعضها بعضا في الوجود، ولهذا يجدر بنا ألا نتصور أن الأفعال أو المصادر، حين عرفت في نشأتها، عرفت معها مشتقاتها، فقد تظل اللغة قرونا، وليس إلا الفعل وحده، أو المصدر وحده، حتى تدعو الحاجة إلى ما يشتق منهما.
ويخالف في هذا بعض قدامى اللغويين العرب، فيرون أنه لا قياس على كلام العرب في الاشتقاق، وأن كل كلام العرب توقيف. ومن هؤلاء ابن فارس اللغوي، الذي يقول:"إن الذي وقفنا على أن الاجتنان: التستر، هو الذي وقفنا على أن "الجِنَّ" مشتق منه، وليس لنا اليوم أن نخترع، ولا أن