للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في هذا الكتاب، معتسفا الطريق في محاولاته تلك تارة، وغافلا عن سنن اللغات في الاقتراض عن غيرها تارة أخرى.

وتعصب الشيخ في هذه القضية لا مبرر له؛ إذ الكلمة المعربة تصبح -كما قلنا من قبل- عربية، باستعمال العرب إياها على مناهجهم في لغتهم، غير أن ما دعا العلماء إلى القول بعدم أصالتها في العربية، أنها تدل على شيء لم يكن له وجود في الأصل، في البيئة العربية، وإنما هو وافد مع اسمه إلى تلك البيئة، كما وفدت علينا في العصر الحديث كلمات مثل: "تليفون، وراديو، وتليفزيون، مع أجهزتها التي سميت بها؛ لأن المفردات التي تقتبسها لغة ما، عن غيرها من اللغات، يتصل معظمها بأمور قد اختص بها أهل هذه اللغات، أو بروزا فيها، أو امتازوا بإنتاجها أو كثرة استخدامها، فمعظم ما انتقل إلى العربية من المفردات الفارسية واليونانية، يتصل بنواح مادية أو فكرية، امتاز بها الفرس واليونان، وأخذها عنهم العرب. وهكذا نرى أنه من العبث إنكار وقوع المعرب في العربية الفصحى والقرآن الكريم.

وقد وقف اللغويون العرب بالتعريب، عند عصور الاحتجاج، وهي تلك الفترة السعيدة، التي تشمل الجاهلية وصدر الإسلام وعصر بني أمية، وتعد بجميع ما فيها عربية فصحى، وما عداها مما جاء بعدها مولد لا يصح، يستوي في هذا التطور والتعريب الجديد.

وتقوم من آن لآخر صيحات، تنادي بأن نسير على طريقة العرب، في تعريب ما نحتاج إليه من ألفاظ اللغات المعاصرة، ومن هؤلاء عبد القادر المغربي، الذي ألف في ذلك كتابا سماه: "الاشتقاق والتعريب". وتتلخص فكرته، في أن الكلمات الدخيلة الدالة على الأحداث والمعاني لا تعتبر فصيحة، ولا يكون استعمالها من الحسن في شيء، وذلك لأن في اللغة ما يسد مسدها. ولكن هناك اختراعات، أوجدها قوم من غير أبناء لغتنا، ووضعوا لها أسماء: اخترعوا: الأوتوموبيل مثلا، وسموه بهذا الاسم، فنحن معشر العرب نأخذه ونأخذ اسمه. كما أخذ أسلافنا المنجنيق واسمه من لغة اليونان.

<<  <   >  >>