للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأبيات. ويقولون: لبأت بالحج، وحلأت السويق، فيغلطون"١ فليس هذا الهمز منهم إلا حذلقة، أو مبالغة في التفصح وتقعرا في الكلام، وكلها اصطلاحات من عندنا لما يقابل في اللاتينية Hyperurb anismus وفي الإنجليزية: Overcorr ectness ٢، وهو اصطلاح اتخذ لدى علماء اللغة، للصيغ التي تنتج بسبب الحرص الشديد، على محاكاة اللغة الأدبية، ممن لا يملك زمامها من عامة الشعب، فهو يحاول أن يرد العامية التي يتحدث بها إلى نمط اللغة الأدبية، وهو في محاولته هذه لا يفرق بين الظواهر الجديدة والقديمة، في لغة الخطاب، فإذا رد كلمة جديدة إلى القديم أصاب، أما إذا فعل مثل ذلك مع الكلمات التي احتفظت بالأصل القديم، وشابهت مع ذلك الجديد، فإنه حينئذ يكون متقعرا ومتحذلقا، وذلك كمن يعرف أن الصوت المركب: aw مثلا في العربية الفصحى، يقابل حركة الضم الممالة: "o" في العامية، وذلك مثل: صُوم في صَوْم، وعُوم في عَوْم، ونُوم في نَوْم، ويُوم في يَوْم، فهو إذا رد هذه الكلمات إلى أصلها كان مصيبا في كلامه، غير أن هناك كلمات لها مثل هذه الصورة في الأصل، في اللغة الفصحى نفسها، مثل: "ثُوم" و"حُوت" و"رُوح" وغير ذلك.

وهنا يحاول ذلك المتفصح أن يقلب هذه الضمات الأصيلة إلى الصوت


١ معاني القرآن للفراء ١/ ٤٥٩ وقد حرف الأزهري طيئا، فجعلها: "غني" في هذا الخبر، ونقل عنه صاحب اللسان الكلمة محرقة، يقول الأزهري "تهذيب اللغة ١٥/ ٦٨٣= لسان العرب ١/ ١٠": "ومنها همزة التوهم، كما روى الفراء عن بعض العرب أنهم يهمزون ما لا همز فيه إذا ضارع المهموز. قال: وسمعت امرأة من غني، تقول، رثأت زوجي بأبيات. قال: ويقولون: لبأت بالحج، وحلأت السويق، فيغلطون".
٢ يسمي فندريس "اللغة ٨٠" هذه الظاهرة: الإسراف في المدينة، والغلو في مراعاة الصحة. انظر كذلك كتابنا: التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه ٧٩-٨٤.

<<  <   >  >>