للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أمثلة هذه الظاهرة كذلك: الفعل "يرى" فهو مضارع "رأى" وعينة همزة -كما ترى، غير أن العربية الفصحى، التي آثرت تحقيق الهمز في نطقها، هي التي استعارت هذا النطق الخالي من الهمز، من قريش ومن جرى مجراها من القبائل المجاورة، ومثل ذلك تماما نراه في فعلي الأمر: "كُلْ" و"خُذْ" في الوصل والابتداء، وكذلك في فعلي الأمر: "مُرْ" و"سَلْ" في الابتداء فقط. وماضي هذه الأفعال الأربعة مهموز -كما تعرف، وهو: أكل، وأخذ، وأمر، وسأل.

وكذلك كلمة: "النبي"، تستعملها الفصحى بلا همز، مع أن فعلها هو: "تنبأ". وإذا كانت العربية الفصحى تهمز الكلمات: "أرجأ". و"الكفء" و"برأ" و"ذرأ"، فإن "مرجون" في قوله تعالى: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} [التوبة: ١٠٦] لا تكون حينئذ إلا استعارة من نظام لغوي مجاور، مثلها في ذلك مثل: "أرجه" في قوله عز وجل: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} [الأعراف: ١١١، والشعراء: ٣٦] و"كفوا" في قوله سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: ٤] ، و"البرية" في قوله جل شأنه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة} [البينة: ٦، ٧] ، و" ذرية" في قوله عز اسمه: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران: ٣٨] . وكذلك الحال في كلمة: "الله" التي يقول فيها سيبويه: "وكان الاسم -والله أعلم: إله، فلما أدخل فيه الألف واللام، حذفوا الألف، وصارت الألف واللام خلفا منها"١.


١ كتاب سيبويه ١/ ٣٠٩ وانظر: الخصائص ٣/ ١٥٠.

<<  <   >  >>