أيام الطلب منذ سنين، ولذلك كنت أسر غاية السرور، عندما أعثر على نسبة بيت مجهول القائل عند سيبويه، في كتاب من كتب اللغة والأدب العربي، وكنت أظن في كل مرة، أن عدد الخمسين بيتا، يتناقص شيئا فشيئا، بالدأب في البحث على مر السنين، كما كنت أنظر بعين الرضا إلى نسختي من الكتاب، وقد تضمنت بعض صفحاتها ما نسبته فيها بقلمي، من أشعارها المجهولة القائل، مع بيان مصدر هذه النسبة.
وظننت بعد مدة أنني كدت أقضي على هذه الأبيات الخمسين نسبة وعزوا، فأردت أن أحصي ما تبقى في الكتاب من الأبيات التي لم أعثر على نسبتها طوال السنين الماضية، وكان ظني أنها لن تجاوز العشرين، بعد أن نسبت منها ما نسبت، اعتمادا على نص الجرمي السابق، غير أن هذا الظن كان سرابا، فقد عرفت بعد الإحصاء، أن جملة غير المنسوب في كتاب سيبويه، تبلغ ٣٤٢ موضعا، منها ٤٣ موضعا سميت فيها قبيلة الشاعر، ولم ينص على اسمه، مثل:"رجل من قشير" أو "رجل من بني دارم" أو "رجل من مذحج" أو "رجل من فزارة" أو "رجل من طهية"، وغير ذلك.
وقد نسب الأعلم الشنتمري في شرحه لشواهد الكتاب، المسمى، "تحصيل عين الذهب من معدن جوهر الأدب في علم مجازات العرب" ٥٧ موضعا، أي أن ما يبقى بعد ذلك غير منسوب تماما، عبارة عن ٢٤٢ موضعا.
نعم، قد يمكن القول بأن المطبوعة التي بين أيدينا من كتاب سيبويه، لا تتضمن كل نسبة قام بها الجرمي أو المازني لشواهد الكتاب، غير أن مراجعة مخطوطات الكتاب في دار الكتب المصرية، ومراجعة شرح أبي سعيد السيرافي لكتاب سيبويه، وهو من أقدم الشروح على الكتاب، هذه المراجعة تجعلنا نطمئن إلى القول بأن ما لم ينسب من شواهد الكتاب، أضعاف الخمسين المزعومة.