هذه حقيقة لم يفطن إليها أحد من القدماء -فيما أعلم- وأصبحت عبارة مثل:"وهو من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعرف لها قائل" تتردد في كتبهم، عند الحديث عن هذا البيت أو ذاك، مما لم يعثروا له على نسبة إلى قائل معين، كالبغدادي الذي ذكر العبارة في خزانته مع اثنين وثلاثين بيتا. ومن العجيب أن أحد هذه الأبيات، نسب في المطبوعة من الكتاب "١/ ٨٠" إلى الأعشى! وبقي عند الأعلم الشنتمري بلا نسبة.
ولم يسلم المحدثون من الوقوع في شرك هذه الأسطورة كذلك. ولقد قلت عند نشر هذا البحث لأول مرة في عام ١٩٧٤م:"وقد انساق الأستاذ عبد السلام هارون"، في نشرته الجديدة لكتاب سيبويه -التي بدأ في إخراجها سنة ١٩٦٦م، وأخرج منها جزأين حتى الآن- وراء هذه العبارة الأسطورية، وأطلقها على كل بيت صادفه في جزأيه، ولم يتمكن من نسبته إلى شاعر معين. وقد بلغت جملة ذلك في الجزأين ٣٥ مرة، بل لقد قال مرة "١/ ١٥١" في زهو، بعد أن عرف نسبة بيت لأبي وجزة:"فيضاف هذا إلى ما عرفت نسبته من الخمسين". ولو واصل الأستاذ عبد السلام هارون جريه وراء هذه الأسطورة، لوجد نفسه يقع في التناقض في جزئه الثالث، حين يجاوز عدد ما لم يعرف نسبته الخمسين".
ثم علقت على ذلك في الهامش بقولي: "صدق حدسي، إذ صدر الجزء الثالث من كتاب سيبويه، بتحقيق الأستاذ عبد السلام هارون في عام ١٩٧٣م، بعد إعداد هذه المقالة للنشر، وذكر فيه عبارة:"البيت من أبيات سيبويه الخمسين" في ٢٦ موضعا من هذا الجزء. وإذا أضفنا هذا العدد إلى العدد السابق وهو ٣٥ عرفنا أن الأستاذ عبد السلام هارون، تجاوز الخمسين وهو ما يزال يتحدث عن أن هذا البيت أو ذاك من الخمسين! ".