للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______

= وفعل نحوا من ذلك مع أمير المؤمنين الرشيد، فوضع له حديثا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطير الحمام. فلما عرضه على الرشيد قال: اخرج عني، فطرده عن بابه [١].

وكما فعل مقاتل بن سليمان البلخي [٢]، من كبار العلماء بالتفسير، فإنه كان يتقرب إلى الخلفاء بنحو ذلك. حكى أبو عبيد الله وزير المهدي قال: " قال لي المهدي: ألا ترى إلى ما يقول لي هذا - يعني مقاتلاً -؟ قال: إذا شئت وضعت لك أحاديث في العباس؟ ! قلت: لا حاجة لي فيها " [٣].

وشر أصناف الوضاعين وأعظمهم ضررا قوم يَنسِبون أنفسهم إلى الزهد والتصوف، لم يتحرجوا عن وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب، احتسابا للأجر عند الله، ورغبة في حض الناس على عمل الخير واجتناب المعاصي، فيما زعموا، وهم بهذا العمل يفسدون ولا يصلحون. وقد اغتر بهم كثير من العامة وأشباههم، فصدقوهم، ووثقوا بهم، لما نسبوا إليه من الزهد والصلاح، وليسوا موضعا للصدق، ولا أهلا للثقة.

وبعضهم دخلت عليه الأكاذيب جهلا بالسنة، لحسن ظنهم وسلامة صدروهم، فيحملون ما سمعوه على الصدق، ولا يهتدون لتمييز الخطأ من الصواب، وهؤلاء أخف حالا وأقل إثما من أولئك. ولكن الوضاعون منهم أشد خطرا، لخفاء حالهم على كثير من الناس. ولولا رجال صدقوا في الإخلاص لله، ونصبوا أنفسهم للدفاع عن دينهم، وتفرغوا للذب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفنوا أعمارهم في التمييز بين الحديث الثابت وبين الحديث المكذوب، وهم أئمة السنة وأعلام الهدى -: لولا =


[١] الموضوعات ٣/ ١٢
[٢] أَبُو الحَسَنِ مُقَاتِلُ بنُ سُلَيْمَانَ البَلْخِيُّ. قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: مَا أَحْسَنَ تَفْسِيْرَهُ لَوْ كَانَ ثِقَةً، وقَالَ وَكِيْعٌ: كَانَ كَذَّاباً، وقَالَ البُخَارِيُّ: مُقَاتِلٌ لا شَيْءَ البَتَّةَ. مَاتَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ."السير" ٧/ ٢٠٢
[٣] أنظر المدخل للإكليل ص ١٣٧، وكذلك "تاريخ بغداد" (١٣/ ١٦٧)، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (٦٠/ ١٢٦)

<<  <   >  >>