وَأَمَّا مَنْ غَلِطَ فِي حَدِيثٍ فَبُيِّنَ لَهُ الصَّوَابُ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ فَقَالَ اِبْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْحُمَيْدِيُّ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ أَيْضًا، وَتَوَسَّطَ بَعْضُهُمْ «١»، فَقَالَ إِنْ كَانَ عَدَمُ رُجُوعِهِ إِلَى الصَّوَابِ عِنَادًا، فَهَذَا يَلْتَحِقُ بِمَنْ كَذَبَ عَمْدًا، وَإِلَّا فَلَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ «٢».
وَمِنْ هَاهُنَا يَنْبَغِي التَّحَرُّزُ مِنَ الْكَذِبِ كُلَّمَا أَمْكَنَ، فَلَا يُحَدِّثُ إِلَّا مِنْ أَصْلٍ مُعْتَمَدٍ، وَيَجْتَنِبُ الشَّوَاذَّ وَالْمُنْكَرَاتِ، فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو يوسف (١): من تتبع غرائب الحديث كذب، وفي الأثر (٢): " كفا بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع ".
"مسألة":
إذا حدث ثقة عن ثقة بحديث، فأنكر الشيخ سماعه لذلك بالكلية، فاختار ابن الصلاح (٣) أنه لا تقبل روايته عنه، لجزمه بإنكاره، ولا يقدح
______ [شرح أحمد شاكر رحمه الله] ______
«١» [شاكر] هو ابن حبان، كما نقله العراقي. وهو اختيار ابن الصلاح [شاكر]
«٢» [شاكر] قال العراقي [التقييد ص ١٥٧]: "قيد ذلك بعض المتأخرين بأن يكون الذي بين له غلطه عالما عند المبين له. أما إذا لم يكن بهذه المثابة عنده فلا حرج إذن".
وهذا القيد صحيح، لأن الراوي لا يلزم بالرجوع عن روايته إن لم يثق بأن من زعم أنه أخطأ فيها أعرف منه بهذه الرواية التي يخطئه فيها. وهذا واضح. [شاكر]
(١) "الكفاية"١/ ٤٢٣
(٢) قال الألباني ١/ ٣١٠: يعنى مرفوعا. وهو عند مسلم في مقدمة صحيحه (١/ ٨) بإسناد صحيح بلفظ "كذبا" بدل: "إثما". ثم روى نحوه عن عمر موقوفا عليه.
(٣) المقدمة ص ٣٠٢