للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن كان ممن ينازعه في ((أن النبيذ المسكر حرام)). احتاج إلى مقدمتين: إلى إثبات أن هذا مسكر، وإلى أن كل مسكر حرام، فثبتت الثانية بأدلة متعددة، كقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كل مسكر حرام، وكل شراب اسكر فهو حرام. وبأنه سئل عن شراب يصنع من العسل. يقال له ((البتع)) وشراب يصنع من الذرة يقال له ((المزر)) وكان قد أوتي جوامع الكلم فقال: ((كل مسكر حرام)). وهذه الأحاديث في الصحيح. وهي وأضعافها معروفة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تدل على أنه حرم كل شراب أسكر.

فإن قال: أنا أعلم أنه خمر، لكن لا أسلم أن الخمر حرام، أو لا أسلم أنه حرام مطلقًا، أثبت هذه المقدمة الثالثة وهلم جرا.

وما يبين لك أن المقدمة الواحدة قد تكفي في حصول المطلوب، أن الدليل هو ما يستلزم الحكم المدلول عليه، كما تقدم بيانه، ولما كان الحد الأول مستلزمًا للأوسط، والأوسط للثالث، فإن ملزم الملزوم ملزوم، ولازم اللازم لازم، فإن الحكم لازم من لوازم الدليل، لكن لم يعرف لزومه إياه إلا بوسط بينهما فالوسط ما يقرن بقولك ((لأنه)).

وهذا مما المنطقيون وابن سينا وغيره، وذكروا الصفات اللازمة للموصوف- وأنها ما تكون بينة اللزوم-. وردوا بذلك على من فرق من أصحابهم بين ((الذاتي)) و ((اللازم)) للماهية بأن ((اللازم)) ما افتقر إلى ((وسط)) بخلاف ((الذاتي)). فقالوا له: كثير من الصفات اللازمة لا تفتقر إلى ((وسط))، وهو البينة اللزوم ((والوسط)) عند هؤلاء هو ((الدليل)).

<<  <   >  >>