«.... وقد تركت أشياء كثيرة من أشباه هذا، وأنا أحب توفيق الله إياك، وطول بقائك، لما أرجو للناس في ذلك من المنفعة، وما أخاف من الضيعة إذا ذهب مثلك، مع استئناسي بمكانك وإن نأت الدار، فهذه منزلتك عندي ورأيي فيك فاستيقنه، ولا تترك الكتاب إليّ بخبرك وحالك وحال ولدك وأهلك، وحاجة إن كانت لك، أو لأحد يوصل بك فإني أسر بذلك، كتبت إليك ونحن معافون والحمد لله، ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم شكر ما ألانا، وتماما ما أنعم به علينا، والسلام عليكم ورحمة الله»(١٢٨) .
إن هناك كثيرا من المناظرات العلمية الدقيقة المليئة بأدب الاختلاف حفلت بها كتب التراجم والتاريخ والمناظرات ونحوها، ولا يكاد المرء يفتقد «أدب الاختلاف» بين أهل العلم إلاّ بعد شيوع التقليد وما رافقه من تعصب وتعثر في سلوك أهل العلم، ونظراتهم الى العلم نفسه، ولاسيما بعد أن خلت الساحة من أمثال العلماء الذين يقول فيهم الإمام الغزالي:«وكان قد بقي من علماء التابعين من هو مستمر على الطراز الأول، وملازم صفو الدين، ومواظب على سمت علماء السلف، فكانوا إذا طلبوا هربوا وأعرضوا» فاضطر الخلفاء إلى الإلحاح في طلبهم لتولية القضاء والحكومات، وحل محل هذا الرعيل المبارك طلاب الدنيا بالدين، وحل الذي هو أدنى مكان الذي هو خير، وفي ذلك يقول الإمام الغزالي: «فرأى أهل تلك الأعصار عز العلماء وإقبال الأئمة والولاة
(١٢٨) تلتمس الرسالة كاملة في إعلام الموقعين (٣/٨٣ ٨٨) والفكر السامي (١/٣٧٠ ٣٧٦) .