كانت تلك حالة الأمة التي غفت في أحضان التقليد، ونامت على أحلام ماض مجيد، فمنذ وقوع الفصام النكد بين أولي الأمر ومصادر التشريع لهذه الأمة والناس حيارى تتقاذفهم الأهواء، وعلماء الأمة في شغل عنهم، كل بما يشغله ويرى أنه الأسلم، حتى إن من يطلع على تراث الأمة يكاد لا يصدق أن هذا الخلف الجامد المتحجر من ذاك السلف الحي المستنير؛ ولما قامت النهضة الأوروبية الحديثة، والأمة على تلك الحال، وجد الأوروبيون أمامهم أمة لم يبق من مقوماتها الحقيقية شيء يذكر:
فالعقيدة خاملة، وإيمان الكثيرين مزعزع، واليقين لم يعد يقينا، والسلوك منحرف، والاستقامة معدومة، والفكر جامد، والاجتهاد معطل، والفقه مفقود، والبدع قائمة، والسنة نائمة، والوعي غائب، حتى لكأن الأمة ليست هي، وحالة كهذه قد أغرت الذين كانوا يتربصون بالأمة، فاهتبل الغربيون هذه الفرصة واحتلوا البلاد وامتلكوا أزمة العباد، وقضوا على البقية الباقية من مقومات شخصية الأمة حتى وصل الحال إلى ما نحن فيه اليوم، من هوان واستكانة، وغدت مقاليد أمورنا بأيدي أعدائنا يقررون مصائرنا، فنلتمس عندهم الحل لمشاكل اوجدناها بأنفسنا، وشكلناها بايدينا.
وخلال ذلك حاولت الأمة بما بقي لها من صبابة الحياة أن تنهض من