من الناس فقد كانوا يتلقون من أهل العلم ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسائل التي لا خلاف فيها من جمهور المجتهدين، كمسائل الطهارة والصلاة والصيام والزكاة ونحوها، فيعملون بحسب ما روي لهم فيها، وإذا وقعت لهم أمر فيها من الدقة ما يحتاجون معه إلى الاستفتاء، استفتوا أهل العلم في ذلك دونما نظر الى المذهب الذي يتمذهب به ذلك العلم.
وأما خاصة الناس وأهل العلم منهم، فقد كانوا يشتغلون بالحديث، ويتلقون من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثار أصحابه ما لا يحتاجون معه الى شيء آخر في المسائلة من حديث مستفيض أو أقوال متظاهرة لجمهور الصحابة والتابعين، فإن لم يجد أحدهم في المسالة ما يطمئن اليه قلبه لتعارض النقل وعدم وضوح الترجيح ونحو ذلك رجع الى كلام من سبقه من الفقهاء، فإن وجد قوليه اختار أوثقهما سواء أكان من أهل المدينة أو الكوفة.
وكان أهل التخريج منهم يخرجون فيما لا يجدونه مصرحا به ويجتهدون في المذاهب، وينسبون إلى المذهب الذي يخرجون عليه، فيقال: فلان شافعي وفلان حنفي، دون أن يكون هنالك التزام بالمذهب كما صارت إليه الحال فيما بعد. وأصحاب الحديث منهم ينسبون إلى المذاهب لشيوع التوافق، فالنسائي أو البيهقي أو الخطابي كانوا ينسبون الى الشافعي مثلا، وكان لا يتولى القضاء إلا مجتهد، ولا يسمى العالم فقيها إلا إذا كان مجتهدا.