وهنا نقول: ان الاختلاف بوجهات النظر بدل ان يكون ظاهرة صحة تغني العقل المسلم بخصوبة في الرأي، والاطلاع على عدد من وجهات النظر، ورؤية الامور من ابعادها وزواياها كلها، واضافة عقول الى عقل، انقلب عند مسلم عصر التخلف الى وسيلة للتآكل الداخلي والانهاك، وفرصة للاقتتال، حتى كاد الامر ان نصل ببعض المختلفين الى حد التصفية الجسدية، والى الاستنصار والتقوي باعداء الدين على صاحب الرأي المخالف، ولهذا في التاريخ القريب والبعيد شواهد، فكثيرا ما يعجز الانسان عن النظرة الكلية السوية للامور، والرؤية الشاملة للابعاد المتعددة فيقبع وراء جزئية يضخمها ويكبرها حتى تستغرقه الى درجة لايمكن معها ان يرى شيئا آخر، او انسانا يرى رأيا آخر، وقد تصل به الى ان يرى بمقايسات محزنة اعداء الدين اقرب اليه من المخالفين له بالرأي من المسلمين الذين يلتقون معه على اصول العقيدة نفسها ... ولعل في الحادثة التاريخية الشهيرة ذر الاختلاف بقرنه، وفقد آدابه، وفرقت بعض طوائف الامة المسلمة دينها الجامع ما يلقي بعض الاضواء التي قد تكون ذات مغزى لحياتنا اليوم الى حد بعيد..
«يروى ان واصل بن عطاء اقبل في رفقة فاحسوا الخوارج فقال واصل لاهل الرفقة: ان هذا ليس من شانكم، فاعتزلوا ودعوني واياهم.، وكانوا قد اشرفوا على العطب. فقالوا: شانك. فخرج اليهم، فقالوا: ما انت واصحابك؟ قال: مشركون مستجيرون ليسمعوا كلام الله ويعرفوا حدوده. فقالوا: قد اجرناكم، قال: فعلمونا. فجعلوا يعلمونه احكامهم، وجعل يقول: قد قبلت انا ومن معي. قالوا: فامضوا مصاحبين فانكم اخواننا. قال: ليس ذلك لكم، قال الله تبارك وتعالى: «وان احد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله ثم ابلغه مأمنه٠٠» فابلغونا مامننا، فنظر بعضهم الى بعض ثم قالوا ذاك لكم. فساروا باجمعهم حتى بلغوا المأمن «الكامل في اللغة والادب للمبرد:٢/١١٢» .