مَنزلةُ الدارَقُطني العلميَّةُ، وثناءُ العلماء عَلَيه:
تقدَّم فيما مضى بيانُ تميُّز الدارقطنيِّ من لِداته وأترابه، وتفوُّقه عليهم في وقتٍ مبكِّر من حياته العلميَّة؛ لما حَباه اللهُ به من همَّة عالية، وشَغَفٍ بالعلم، ودَأَبٍ في تحصيله.
وتقدَّم أيضًا أنه لم يبرِّز في علمٍ واحدٍ، بل أظهر براعةً وحِذقًا في غير ما علمٍ وفنٍّ، منها: القراءات القرآنيَّة، والفقه، وعلوم العربيَّة.
كلُّ ذلك بوَّأه المنزلةَ الساميةَ التي ارتقى إليها، حتى عُدَّ جبلاً في العلم قليلَ النظير.
ومن الأخبار والأقوال الدالَّة على منزلته ومكانته: ما رواه الخطيبُ البغداديُّ عن محمد بن على الصُّوري قال: سمعت أبا محمد رجاءَ بن محمد بن عيسى الأنصاري المعدل يقول: سألت أبا الحسن الدارقطنيَّ فقلت له: رأى الشيخُ مثلَ نفسه؟ فقال لي: قال الله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}[النجم: ٣٢] . فقلت له: لم أُرِدْ هذا، وأنما أردتُّ أن أَعْلَمَهُ لأقولَ: رأيت شيخًا لم يرَ مثلَه، فقال لي: إن كان في فنٍّ واحد فقد رأيتُ من هو أفضَلُ مني، وأما من اجتمع فيه ما اجتَمَعَ فيَّ فلا (١) .
وقال أبوعبد الله الحاكم في كتاب "مزكي الأخبار": «أبو الحسن صار واحدَ عصره في الحِفْظ والفَهْم والوَرَع، وإمامًا في القرَّاء