الحمد للَّه رفع منار السنة النبوية وأعلى مكانها، ووفق من اصطفاه من خلقه لخدمتها فشادوا بنيانها، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن مولانا أمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين سلطان البرين والبحرين وإمام الحرمين الشريفين، السلطان الأعظم والخاقان الأفخم السلطان ابن السلطان السلطان الغازي عبد الحميد خان الثاني - نصر اللَّه به الإسلام والمسلمين، وأيد بدوام شوكته الملة والدين، وأسعد بوجوده وجوده عموم رعاياه، وحف اللَّه بألطافه الصمدانية وعنايته الربانية ذاته الملوكانية الشاهانية، وعظمته وسلطته الهمايونية - قد تعلقت إرادته السنية العلية بأن يعمل بمقتضى سجاياه الطاهرة الزكية فيما يعود على السنة النبوية بالصلاح، وعلى ذاته الشريفة بالبركة والفلاح، ففكر - أيده اللَّه - في أجل خدمة يسديها للسنة النبوية الحنيفية، فلم ير - وفقه اللَّه - أكمل من نشر أحاديثها الشريفة على وجه يصح معه النقل ويرضاه العقل، وقد اختار - أجله اللَّه - من بين كتب الحديث المنيفة كتاب "صحيح البخاري"، الذي اشتهر بضبط الرواية عند أهل الدراية، فأمر - وأمره الموفق - بأن يطبع في مطبعة مصر الأميرية؛ لما اشتهرت به من دقة التصحيح، وجودة الحروف بين كل المطابع العربية، وبأن يكون طبع هذا الكتاب في هذه المطبعة على النسخة "اليونينية" المحفوظة في الخزانة الملوكية بالآستانة العلية؛ لما هي معروفة به من الصحة القليلة المثال في هذا الجيل وما مضى من الأجيال، وبأن يكون جميع ما يطبع من هذا الكتاب وقفا عامًّا لجميع الممالك الإسلامية، وبأن يتولى قراءة المطبوع بعد تصحيحه في المطبعة جمع من أكابر علماء الأزهر الأعلام، الذين لهم في خدمة الحديث الشريف قدم راسخة بين الأنام، وفي التاسع عشر من شهر رمضان المبارك من سنة ١٣١٢ للهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية، أبلغ صاحب الدولة الغازي أحمد مختار باشا المندوب العالي العثماني في القطر المصري هذه الأوامر السلطانية إلينا؛ لنجمع من حضرات أكابر العلماء الأزهريين من يعتمد عليهم في هذا الباب، ونقوم معهم بهذه الخدمة الشريفة والأعمال المنيفة، ثم بعث دولته إلينا بالنسخة "اليونينية"، والنسخ المطبوعة على يد صاحب السعادة عبد السلام باشا المويلحي؛ للمقابلة عليها، كما قضى بذلك الأمر الهمايوني الكريم، وقد كان، وجمعنا ستة عشر ممن عم فضلهم واشتهر، وأبلغناهم هذه الأوامر السلطانية، فتلقوها بصدور رحبة وأفئدة فرحة؛ لعلمهم أنها خدمة من أجل الخدم الدينية وأعظمها قدرًا وأكبرها نفعًا، خصوصًا وقد أمر بها جلالة سلطان المسلمين