القسط بهمته، وقوم أود الرعية بعدالته، وأكثر خير البلاد بيمنه، وأنام جميع الأنام في ظل أمنه، وأدامه عزًّا للإسلام، ورحمة لجميع الأنام.
أنه - قوى اللَّه شوكته - أصدر أمره الكريم الشاهاني في سنة ١٣١١ من هجرته ﷺ بطبع الكتاب الجليل الشان، الغني بشهرة نفعه عن الإطراء والبيان، وهو "صحيح الإمام أبي عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري"﵁ وأرضاه، وأن يعتمد في تصحيحه على نسخة شديدة الضبط بالغة الصحة، من فروع النسخة "اليونينية" المعول عليها في جميع روايات "صحيح البخاري" الشريف، وعلى نسخ أخرى خلافها شهيرة الصحة والضبط، وأن تكون نسخه المطبوعة كلها وقفًا على الخاص والعام، من سائر المسلمين شرقًا وغربًا، عجمًا وعربًا.
وحقيقة أصل "اليونينية" أن شيخ الإسلام الإمام جمال الدين محمد بن مالك لما هاجر من الأندلس واستقر بدمشق، طلب منه فضلاء المحدثين والحفاظ أن يوضح ويصحح لهم مشكلات ألفاظ روايات "صحيح البخاري"، فأجابهم إلى ذلك، ووضحها وصححها لهم في أحد وسبعين مجلسًا، وألف لهم "شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح"، وكتب عند تمام ختم التصحيح على أول ورقة من الجزء الأخير من النسخة "اليونينية" المذكورة ما صورته:
سمعت ما تضمنه هذا المجلد من "صحيح البخاري"﵁ بقراءة سيدنا الشيخ الإمام العالم الحافظ المتقن شرف الدين أبي الحسين علي بن محمد بن أحمد اليونيني ﵁ وعن سلفه، وكان السماع بحضرة جماعة من الفضلاء ناظرين في نسخ معتمد عليها، فكلما مر بهم لفظ ذو إشكال بينت فيه الصواب، وضبط على ما اقتضاه علمي بالعربية، وما افتقر إلى بسط عبارة وإقامة دلالة أخرت أمره إلى جزء أستوفي فيه الكلام مما يحتاج إليه من نظير وشاهد؛ ليكون الانتفاع به عامًّا، والبيان تامًّا، إن شاء اللَّه تعالى. وكتبه محمد بن عبد اللَّه بن مالك حامدًا للَّه تعالى. اهـ.
وكتب الحافظ اليونيني على ظهر آخر ورقة من المجلد المذكور ما صورته:
بلغت مقابلة وتصحيحًا وإسماعًا بين يدي شيخنا شيخ الإسلام حجة العرب، مالك أزمة الأدب، العلامة أبي عبد اللَّه بن مالك الطائي الجياني، أمد اللَّه تعالى عمره، في المجلس الحادي والسبعين، وهو يراعي قراءتي ويلاحظ نطقي، فما اختاره ورجحه وأمر بإصلاحه أصلحته وصححت عليه،