عن هذا الاعتداد، أهو مباح، أو مندوب إليه، أو جائز؟ أهو شرط أو غير ذلك من الأحكام، ولهذا قلنا إننا لم نجد من تكلم عن حكمه من الفقهاء والأصوليين.
وما كتب في الفروق، أو الجمع والفرق يُعَدُّ المجال التطبيقي لهذا القادح؛ إذ إن هذه الكتب تذكر الفروع الفقهية المتشابهة، وما يجمع بينها، وما يفرق بعضها عن بعض في الحكم، وبتعبير آخر إنها تبحث عن مبررات عدم إلحاق الفروع بالأصول، مع وجود التشابه الظاهري بينها، ولاشتراكها ببعض الأوصاف التي تقتضي الجمع.
والذي يبدو لنا أن تقصّي ما يذكر في هذه الكتب، من العلل الجامعة، وما ينقضها في الجزئيات المختلفة، يحتاج إلى نظر دقيق، فما يذكر من المعاني المشتركة، ربما لم ينطبق على معنى العلة في اصطلاحهم، أو لم يكن ثابتاً بالطرق المعتد بها عندهم، كما أن ما به التفريق ربما لا يكون من الأمور المقبولة في رأيهم.
وعلى هذا فإن تحديد حكم معين لتعلم الفروق الفقهية بإطلاق ليس كما ينبغي، ونجد أن المناسب هو تنوع الحكم باختلاف الحالات فهو بالنسبة لغير المجتهد أو المفتي جائز، وأما بالنسبة للمجتهد أو المفتي فهو واجب؛ لأنه داخل في شروط المجتهد والمفتي العلمية، لئلا تتناقض،
= وقد استدل من الكتاب بقوله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [الزمر آية: ٩]، ومن السنة بتفريقه صلى الله عليه وسلم بين بعض الأمور في الأحكام، ومن العقل بأن الإنسان بعقله يميل إلى العدل وعن الجور، وإلى الصدق وعن الكذب، وغلى البر وعن الفجور، وما أشبه ذلك، ومن الحس والطبع بأن كل أحد يميل بطبعه إلى الصورة الحسنة دون القبيحة، وإلى الصوت اللذيذ دون المستكرة، وإلى الرائحة العطرة، دون القذرة الكريهة والخبيثة.