للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثاني

نشأة الفروق الفقهية وتطورها

ليس لدينا ما نستطيع أن نحدد به على وجه قاطع، بداية صيرورة معرفة الفروق بين الفروع الفقهية، أو القواعد، علماً أو فناً متميزاً، ولكن طبيعة الموضوع تقتضي أن يكون نشوؤه مقارناً أو مقارباً لنشوء القواعد والضوابط الفقهية؛ إذ كما ينظر العالم إلى الفروع التي تتشابه في أحكامها، فإنه ينقدح عنده ذلك فيما يفارق غيره من الأحكام.

وقد وردت عن الشارع طائفة من الأحكام المختلفة لفروع قد تلتبس على الناس لما بينها من تشابه ظاهري، كالبيع والربا الذين اشتبه أمرهما على اليهود، فقالوا إنما البيع مثل الربا، لكن الشارع نص على التفرقة بينهما بقوله: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) (١).

وكما هو الشأن في بول الجارية وبول الصبي والتفريق بينهما بقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما يغسل من بول الجارية ويرشّ على بول الغلام" (٢).

وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم نماذج كثيرة، فرّق فيها النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين


(١) البقرة: ٢٧٥.
(٢) رُوي هذا الحديث بألفاظ وصيغ مختلفة. وقد قال البيهقي: الأحاديث المسندة في الفرق بين بول الغلام والجارية إذا ضُمّ بعضها إلى بعض قويت. والذي جاء في الحديث هو عن أبي السمع قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بحسن أو حسين، فبال على صدره، فجئت أغسله، فقال: يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام". وقد رواه من حديث أبي السمع أبو داود والبزار والنسائي، وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم. تلخيص الحبير (١/ ٣٧ و ٣٨).

<<  <   >  >>