ثانيًا: أن أول ترك للتحديث منه رحمه الله كان من قبله ابتداءً، ولم يكن بمرسوم من السلطان، وذلك في سنة سبع وعشرين ومائتين - أي: في زمن المحنة وقبل انجلاء غمتها - ولم يستمر هذا الترك.
وأما قبل ذلك فلم يترك التحديث، بل إن تلك الفترة - بين سنة عشرين وسبع وعشرين - هي التي أسمع فيها ابنيه وابن عمه حنبل مسنده، فقد قيل: إن ذلك كان سنة خمس وعشرين ومائتين، وفي هذه الفترة أيضًا حدَّث عنه فيها الأئمة كمسلم وأبي داود وغيرهما؛ كما عُلم من تاريخ رحلاتهم ودخولهم إلى بغداد للسماع من شيوخها وعلى رأسهم الإمام رحمه الله.
ثالثًا: أنه ترك تحديث ابن رسول الخليفة ولم يكن ذلك بسبب أمر المحنة؛ بل للموقف الواضح من أبي عبد الله تجاه السلاطين وأعوانهم، وأيضًا لم يكن طلب رسول الخليفة لأبي عبد الله أن يحدث ابنه إلا لطلب الشرف بذلك والتزين به.
رابعًا: أن الإمام ترك التحديث لعامة الناس، واقتصر على تحديث ولده وابن عمه، وهو الذي استمر عليه حتى مات رحمه الله، وكان ذلك من سنة سبع وثلاثين، ويلحظ على هذه المرحلة أنه في آخرها لم يكن ينبسط للتحديث مطلقًا، بل أقسم على نفسه ألا يحدث حديثًا تام.