للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رواية: «إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره» (١)، فليس خير الدين ما كان فيه التنطع أو الغلو أو التعنيت، وإنما هو اليسر والسهولة والسماحة.

ومن الصور العملية التي تبين أثر تربية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصحابته على خلق التيسير: أن ابن عباس - رضي الله عنه - حين رأى المطر متواصلًا وغزيرًا يوم الجمعة، خشي على الناس التخبط في الطين، أو الانزلاق بسببه، فقال للمؤذن أن يقول بدلًا من (حي على الصلاة): (صلُّوا في بيتوكم)، فكأن الناس استنكروا ذلك، واعترضوا عليه، فقال ابن عباس: (فعله مَن هو خير مني، إن الجمعة عَزْمةٌ، وإني كرهتُ أن أحرِّجكم في الطين والدَّحض) (٢)، وهذا شأن العلم والعلماء، ولا تجد التشديد - غالبًا - إلا مع الجهل والجهال.

ولذلك قال مَعْمَر وسفيان الثوري: (إنما العلم أن تسمع بالرخصة من ثقة، فأمَّا التشديد فيحسنه كل أحد) (٣).

والقصد إلى التشديد ليس من شأن النفوس السوية، ولا يكون من مطالب الشرع ولا من مقاصده، ولذلك يقول الشاطبي: (المشقة: ليس للمكلف أن يقصدها .. وله أن يقصد العمل الذي يعظُم أجره لعظم مشقته من حيث هو عمل .. فإذا كان قصد المكلف إيقاع المشقة فقد خالف قصد الشارع، من حيث إن الشارع لا يقصد بالتكليف


(١) مسند أحمد ٥/ ٤٧٩، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح (انظر بلوغ الأماني ١٩/ ١٥).
(٢) صحيح البخاري - كتاب الجمعة - باب ١٤ - الحديث ٩٠١ (فتح الباري ٢/ ٣٨٤).
(٣) جامع بيان العلم وفضله ص ٢٨٥.

<<  <   >  >>