والسعيد مَن وفَّقه الله للصبر على المجاهدة، إلى أن تتأصل فيه الأخلاق الفاضلة ويكتسبها.
[٨ - تؤخذ بالتأسي]
من واقعية الأخلاق الإسلامية أنها لم تُقدِّم إلى الناس قائمة من مكارم الأخلاق النظرية ليعملوا بها، وهم في معزل عن النموذج البشري الذي يقيم عليهم الحجة بأن الارتقاء إليها في مقدور البشر، والذي يسهل على مَن يضعفون عن اكتساب الأخلاق بالمجاهدة - بأنفسهم - أن يكتسبوها بالاقتداء به، وباقتفاء أثره، وبالتأسي بسلوكه، إلى أن تصبح لهم عادة، والذي ينقش في أذهان الناس صورًا عملية لا تنسى للخُلُق الفاضل الذي يظهر في المواقف التي تقتضي ذاك الخُلُق، بينما قد ينسى الناس التعليمات النظرية، أو لا يدركون كيفية تطبيقها، أو يَحُول بينهم وبين العمل بها اعتقادُ مثاليتها، واستبعاد واقعيتها؛ ولذلك فإن الله لم ينزل كتبه إلا ومعها العامل بها، والقائم عليها من رسله:{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ...}[الأنعام: ٩٠].
ولذلك أيضًا فإن فطرة الصبي تبدأ بالانحراف، حين يعيش بين والدينِ لا يلتزمان بمحاسن الأخلاق، أو في مجتمع تتفشى فيه مفاسد الأخلاق؛ ولأجل ذلك أيضًا كان من توبة قاتل المائة أن يهجر قرية السوء؛ ليعيش في قرية صالحة، بين قوم صالحين، يعينه التأسي بهم على الطاعة وعلى مكارم الأخلاق، وهكذا تتوارث