اليوم تُبدِئ وسائل الإعلام وتُعِيد في الحديث عن معاناة شعب (البوسنة والهرسك)، ويتم إثارة العالَم وتهييج الشعوب وحفز الدول للمشاركة بالكلمة أو المال، وبتوظيف جميع وسائل الإعلام، مع التحفُّظ على فتح المجال للمشاركة بالنفس أو تقديم السلاح؛ لئلا ينقلب السحرُ على الساحر، كما حدث بالأمس.
بالأمس كان نفس الهياج، وتحت سمع العالم وبصره، جُنِّد المال والرجال، وتعاونت الشعوب والدول لاستخدام الحربة الأفغانية في القضاء على الكابوس الشيوعي، بعد هذا التنادي والتداعي اجتمع لخدمةِ هذه القضية من شباب الإسلام مجتمعٌ بشري فريد ومتميز، على بقعة صغيرة من الأرض، ولهدف عامٍّ مشترك، رغم تعدد المشارب وتباين الوسائل، واختلاف سُلَّم الأولويات.
وكان لهذه التجرِبة الجديدة الفريدة إيجابياتٌ لا يمكن إغفالها أو التقليل من أهميتها، كما كان لها سلبيات لا يمكن غضُّ الطرف عن خطورتها، وكان من أبرز هذه السلبيات - بنظري - عدم القدرة على التعايش في صورة فريق عمل منسجم، ومجتمع إسلامي متعاون، بحيث تُستَهلك الأوقات والأموال والجهود في البناء لا في الهدم، وفي التكامل لا في التضادِّ، وذلك خللٌ لا بدَّ من المصارحة فيه؛ لقطف العبرة من تجرِبة كبيرة ونادرة، كان يُؤمَّل منها أن تُقدِّم نموذجًا عمليًّا لأخوَّة الإسلام التي طال الحديث في وصفها وضرب أمثلتها نظريًّا.