للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: ٢]. قال: أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حبِط عملي وأنا من أهل النار، وجلس في أهله حزينًا، فتفقده رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فانطلق بعض القوم إليه، فقالوا له: تفقدك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مالك؟ وأخبروه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا، بل هو من أهل الجنة) (١)، وهكذا يشعر كل فرد بقيمته وكل مدعوٍّ بمنزلته في نفس مربِّيه.

ومن أسمى الأخلاق: أن يُقابَل التكافل بعفَّة نفس المحتاج؛ كما فعل عبدالرحمن بن عوف؛ حين رفض تقاسم المال والزوجتين مع الأنصاري، وقال له: (بارك الله لك في أهلك ومالك، أين سوقكم؟) (٢)، وطلب أن يدُلَّه على السوق ليعمل بيديه، ويعتمد على نفسه، بل كانت ظاهرة عامَّة بعد خيبر، لما استغنى المهاجرون؛ إذ ردُّوا إلى الأنصار ما كانوا أكرموهم به، فقد ورد أنه: (لما فرغ من قتال أهل خيبر، فانصرف إلى المدينة، ردَّ المهاجرون إلى الأنصار منائحهم من ثمارهم ..) (٣).

وإن مجتمعًا يشيع فيه التكافل، لهو المجتمع المتماسك الذي يستطيع أن يجاهد في سبيل الله صفًّا، كأنه بنيان مرصوص، بينما تجد مجتمع الأنانية والبخل متصدعًا من الداخل، تأكله العداوات والأحقاد


(١) مسند أحمد ٣/ ١٣٧. والآية من سورة الحجرات/٢.
(٢) صحيح البخاري - كتاب مناقب الأنصار - باب ٣ - الحديثان ٣٧٨٠/ ٣٧٨١ (الفتح ٧/ ١١٢).
(٣) صحيح البخاري - كتاب الهبة - باب ٣٥ - الحديث ٢٦٣٠ (الفتح ٥/ ٢٤٢).

<<  <   >  >>