للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}

يتطلع الناس إلى مَثَلٍ أعلى يقتدون به، ويقتَفون أثره، ويحذون حذوَه، وتربية الإسلام تنشئ في نفوس أتباعه السعي إلى معالي الأمور، والترفُّع عن سفسافها، والصعود نحو ذورة سنام الإسلام، ولذلك كان من دعاء عباد الرحمن: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: ٧٤].

وفي تفسير هذه الآية يوضح (مجاهد) المقصود بالإمامة هنا فيقول: (أئمة في التقوى؛ حتى نأتم بمن كان قبلنا، ويأتمَّ بنا مَن بعدنا) (١)، ومعنى ذلك أن صاحب الأسوة الحسنة متتبِّع لخطى الذين سبقوه في الخير، وقدوة لمن يلونه، فهو يرأس الناس في فعل الخير، ويقتدي الناس به، كما يتحرّى أن يقتدي بالصّالحين من سلف الأمة، وهذا ما يكون سبب الثقة به، وإتباعه، والتأسِّي به.

وقد أكَّدت هذا المعنى تفاسير عديدة، ونقل ابن حجر عدة أقوال تؤيِّد هذا المعنى، وقد كان هذا حال سيد المجاهدين؛ إذ جعله الله أسوة لمن بعده، كما أمره الله أن يقتدي بمن سبقه من الأنبياء: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: ٩٠].

وإن لم يكن الدعاةُ والهداة على هذا المستوى من الأسوة، حُرِموا الاستخلاف في الأرض، وهذا خليل الله إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -


(١) صحيح البخاري - كتاب الاعتصام - من ترجمة باب ٢ (فتح الباري ١٣/ ٢٤٨).

<<  <   >  >>