للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكثيرًا ما يُتهم شخص بتهمة، فينفيها، أو يبين عذره فيها، ثم يستمر الحديث عنه والتحذير منه، فهل هذا من التثبت؟! إن حاطب ابن أبي بَلْتَعة حين صدر منه إفشاء سرِّ - صلى الله عليه وسلم -، طلب عمر أن تقطع عنقه، غير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استمع إليه، حتى إذا انتهى قال: «صدق. لا تقولوا له إلا خيرًا» (١).

وكل مسلم ظاهره الصلاح صادق ولا نقول له إلا خيرًا، وإلا فإن الاتهام بغير تثبت سبب في كثير من المظالم، ولذلك كتب عمر بن عبدالعزيز إلى أحد أمرائه - عَدِي بن أرطأة أمير البصرة - في قتيل وُجد عند بيت ولم يُعرف قاتله: (إن وجد أصحابه بينة، وإلا فلا تظلم الناس، فإن هذا لا يقضى فيه إلى يوم القيامة) (٢) بل جاء في الحديث المتفق عليه: «لو يعطى الناس بدعواهم، لذهب دماءُ قوم وأموالهم» (٣).

وإن الواحد من الصحابة على عدالته كان يُطالبَ - في الخصومات - بإحضار شهود أو الإدلاء ببيانات، أو القسم، ولم تكن عدالته لتشفع له في استقطاع شيء من حقوق الناس، أو مسِّ أعراضهم. وقد اشترط الشرع البينة دفعًا للاتهامات الرخيصة - غير المسؤولة - لئلا يبادر أحد إلى اتهام أحد إلا عن يقين، ولذلك حين قُتل صحابي وجد بين بيوت اليهود في خيبر، اتهم أصحابه اليهود في قتله، فطالبهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبينة) قالوا: ما لنا بينة، قال: فيحلفون،


(١) صحيح البخاري - كتاب استتابة المرتدين - باب ٩ - الحديث ٦٩٣٩.
(٢) صحيح البخاري - كتاب الدياث - من ترجمة الباب ٢٢.
(٣) صحيح البخاري - كتاب تفسير - باب ٣ - الحديث ٤٥٥٢.

<<  <   >  >>