للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينقل عن علي وشريح قولهما في المرأة التي تدعي أنها حاضت في شهر ثلاثًا: (إن جاءت ببينة من بطانة أهلها - ممن يرضي دينه - .. صدقت.) (١)، فالمقياس صلاح دين الرجل، وليست معايير الطين والمادة، والذوبان في شخصية الصاحب.

وإن كتمان العيوب عن الصاحب خيانة، والكيد لوقيعة من اصطفاك لبطانته جريمة، ورسولنا - صلى الله عليه وسلم - استعاذ من ذلك: «.. وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة» (٢)، وحين سأل ابن مسعود عن أيام الهرج متى تكون؟ أجابه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبرز فتن هذه الأيام. فقال: «حين لا يأمن الرجل جليسه» (٣)، فهذا أمر يحتاج إلى التحري والاصطفاء البعيد عن الهوى؛ حتى يجد المرء من يأمنه، ومن يطمئن لصحبته.

ومن مزايا البطانة - إذا صلَحت - أنها تَحُول دون شر كبير، وتحض على خير كثير، ومن خطورة البطانة - إذا فسدت - أنها قد تحسن القبيح، أو تقبح الحسن؛ بالوسوسة والتظاهر بالإخلاص، وقد وصف أشهب بطانة الحاكم بقوله: (وليكن ثقة مأمونًا فطنًا عاقلًا؛ لأن المصيبة إنما تدخل على الحاكم المأمون من قبوله قول من لا يوثق به، إذا كان هو حسن الظن به، فيجب عليه أن يتثبت في مثل ذلك) (٤).


(١) صحيح البخاري - كتاب الحيض - من ترجمة باب ٢٤ (الفتح ١/ ٤٢٤).
(٢) أخرجه أبو داود والنسائي - وهو حسن - (جامع الأصول ٤/ ٣٥٧ الحديث ٢٣٨٩).
(٣) مسند أحمد ١/ ٤٤٨ وصححه أحمد شاكر في شرح المسند ٦/ ١٤٣ برقم ٤٢٨٦.
(٤) فتح الباري ١٣/ ١٩٠ - كتاب الأحكام - من شرح الباب ٤٢.

<<  <   >  >>