للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما أن الطبيعة البشرية - بفطرتها - أقرب إلى القصد، ولديها قابلية الانحدار والصعود، ولن يستطيع امرؤ أن يتجاوز طبيعته لبشرية إلى الطبيعة الملائكية، ولذلك لما ظن حنظلة الكاتب التميمي الأسيدي ملاعبته لأهله وضحكه معهم بعد أن كان في خشوع وبكاء في مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم -، لما ظن هذا التبدل في الحال نوعًا من النفاق، طمأنه رسول الله بقوله: «يا حنظلة! لو كنتم كما تكونون عندي، لصافحتكم الملائكة على فرشكم، يا حنظلة! ساعة وساعة» (١).

والقصد أقرب إلى الطاقة والاحتمال، لذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُعلِّق على صورِ الغلو في العبادة بقوله: «عليكم بما تُطِيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملُّوا» (٢)، «ليُصَلِّ أحدكم نشاطه فإذا فتَر فليقعُد» (٣).

والقصد أدعى إلى الدوام على العمل والاستمرار فيه والثبات عليه، يقول ابن حجر رحمه الله: (لأن المُشدِّد لا يأمن من الملل، بخلاف المقتصد فإنه أمكن لاستمراره، وخير العمل ما دوام عليه صاحبه) (٤) وقال النووي: (بدوام القليل تدوم الطاعة، حتى يثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافاً كثيرة) (٥)، وقال ابن حزم: (فأمر أمته بأن يقتصدوا في الأمور؛ لأن ذلك يقتضي


(١) صحيح ابن ماجه للألباني - كتاب الزهد - باب ٢٨ - الحديث ٣٤١٧/ ٤٢٣٩ (صحيح).
(٢) صحيح البخاري - كتاب الإيمان - باب ٣١ - الحديث ٤٣ (ومسلم، المسافرين، الحديث ٢٢١).
(٣) صحيح البخاري - كتاب التهجد - باب ١٨ - الحديث ١١٥٠.
(٤) فتح الباري ٩/ ١٠٥ (من شرح كتاب النكاح باب ١).
(٥) شرح صحيح مسلم للنووي ٦/ ٣١٨ - ٣١٩.

<<  <   >  >>