للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولِمَا للصدق من رابطة قوية بالإيمان، فقد جوَّز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقع من المؤمن ما لا يُحمد من الصفات، غير أنه نفى أن يكون المؤمن مظنة الوقوع في الكذب؛ للاستبعاد ذلك منه، وقد سأل الصحابة فقالوا: «يا رسول الله، أيكون المؤمن جباناً؟» «قال: نعم» فقيل له: أيكون المؤمن بخيلًا؟» «قال: نعم» قيل له: أيكون المؤمن كذابًا؟» «قال: لا» (١).

والأصل في اللسان الحفظ والصون؛ لأن زلاته كثيرة، وشرَّه وبيل، فالحذر منه والاحتياط في استعماله أتقى وأورع، فإذا وجدت الرجل لا يبالي، ويكثر الكلام، فاعلم أنه على خطر عظيم، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كفي بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع» (٢)؛ لأن كثرة الكلام مظنة الوقوع في الكذب، باختراع ما لم يحدث، حين لا يجد كلامًا، أو بنقل خبر كاذب - وهو يعلم - فيكون أحد الكذَّابين.

وكل خُلُق جميل يمكن اكتسابه بالاعتياد عليه، والحرص على التزامه، وتحرِّي العمل به، حتى يصل صاحبه إلى المراتب العالية، يرتقي من واحدة إلى الأعلى منها بحسن خلقه، ولذلك يقول - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يَهْدي إلى البر، وإن البر يَهْدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق، ويتحرَّى الصدق، حتى يُكتب عند الله صدِّيقًا»، وكذلك شأن الكاذب في السقوط، إلى أن يختم له بالكذب «وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب،


(١) أخرجه الموطأ ٢/ ٩٩٠ مرسلًا في الكلام .. وهو حديث حسن مرسل (جامع الأصول ١٠/ ٥٩٨ - الحديث ٨١٨٣).
(٢) أخرجه مسلم وأبو داود (جامع الأصول ١٠/ ٦٠٠ - الحديث ٨١٨٩).

<<  <   >  >>