للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والصدق يدعو صاحبَه للجرأة والشجاعة؛ لأنه ثابت لا يتلوَّن؛ ولأنه واثقٌ لا يتردَّد، ولذلك جاء في أحد تعريفات الصدق: (القول بالحق في مواطن الهلكة) (١)، وعبر عن ذلك الجُنَيد بقوله: (حقيقة الصدق: أن تصدق في موطن لا ينجيك منه إلا الكذب) (٢)

وكم يكون شقيًّا من يتفنن في اختلاق الأحاديث؛ ليجلب الأنظار، وفي ادعاء القصص؛ ليُضحك الناس، فيؤوبون وهم سعداء بالترويح عن أنفسهم، ويبوء هو بوزر ما كذب، فله الهلاك - كما جاء في الحديث -: «ويل للذي يحدث بالحديث ليُضحك به القوم، فيكذب، ويل له، ويل له» (٣).

وإن أشد الكذب إثمًا، وأعظمه جرمًا، أن يكذب على الله ورسوله، فينسب إلى دين الله ما ليس منه، ويدعي في الشرع بما لا يعلم، ويختلق نصوصًا ليس لها أصل - أراد بذلك الخير أم الشر - فهو كذب شنيع على دين الله، يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن كذبًا عليَّ ليس ككذب على أحد، فمن كذب عليَّ متعمدًا، فليتبوّأ مقعده من النار» (٤)، ولذلك كان بعض الصحابة يتحرَّجون من الإكثار من رواية حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ خشية الوقوع في خطأ - غير مقصود - فيكونوا قد نسبوا إلى رسول الله ما لم يقل، ومن ذلك ما كان من أنس بن مالك إذ قال: إني ليمنعني أن أحدثكم حديثًا كثيرًا، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:


(١) تهذيب مدارج السالكين ص ٣٩٩.
(٢) تهذيب مدارج السالكين ص ٤٠١.
(٣) أخرجه أبو داود والترمذي - وإِسناده حسن - (جامع الأصول ١٠/ ٥٩٩ - الحديث ٨١٨٦).
(٤) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي (جامع الأصول ١٠/ ٦١١ - الحديث ٨٢٠٦).

<<  <   >  >>