للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«الإيمان: الصبر والسماحة».

حين تجد امرءًا سهلًا ميسرًا، يتنازل عن حظِّ نفسه أو جزء من حقه، ليحل مشكلة هو طرف فيها، أو ليطوي صفحة طال الحديث فيها، أو ليتألف قلبًا يدعوه، أو ليستطيب نفس أخيه، وهو قبل ذلك لا يتعدى على حق أخيه، ولا يُلحِف في المطالبة بحقوقه، فذلكم هو الرجل السمح وتلك هي السماحة.

وقد دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالرحمة للرجل السمح: «رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى» (١)، وفي رواية (وإذا قضى)، وما هي إلا صور من المعاملات اليومية، التي تقتضي قدرًا كبيرًا من السماحة. ويعلق ابن حجر على رواية البخاري بقوله: (السهولة والسماحة متقاربان في المعنى، والمراد بالسماحة ترك المضاجرة ونحوها، وإذا اقتضى؛ أي: طلب قضاء حقه بسهولة وعدم إلحاف، وإذا قضى: أي أعطى الذي عليه بسهولة بغير مطل، وفيه الحض على السماحة في المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق، وترك المشاحنة، والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة، وأخذ العفو منهم) (٢)، وأكثر ما تكون الخصومات في المعاملات المالية، والمناظرات الخلافية، والملاسنات الكلامية. وقل أن يسلم فيها من لم يتحلَّ بكرم الخلق، وجود النفس، وسماحة الطبع.


(١) صحيح البخاري - كتاب البيوع - باب ١٦ - الحديث ٢٠٧٦ (الفتح ٤/ ٣٠٦).
(٢) فتح الباري ٤/ ٣٠٢ عند شرحه للحديث ٢٠٧٦.

<<  <   >  >>