للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لطيفًا ميسرًا في الخلق) (١)، فما أعظم سماحته - صلى الله عليه وسلم - مع أهله في مثل هذا الموطن المزدحم، وفي حال السفر.

وتأمَّل سماحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دعوته: فحين وجد ريح ثُوم في مسجده، نهى الصحابة عن أن يردَّ أحد مسجده قبل ذهاب ريح الثُّوم منه، وكان المقصود بالنهي (المغيرة بن شعبة) يقول - رضي الله عنه -: «أتيته فقلت: يا رسول الله إن لي عذرًا، ناوِلْني يدك - قال فوجدته والله سهلًا - فناولني يده، فأدخلتها في كمي إلى صدري، فوجده معصوبًا»، «فقال: إن لك عذرًا» (٢)، فعذره حين وجد أنه أكل الثُّوم لمرض، وكم نحتاج إلى أن نتأسَّى بهذه السماحة مع المدعوين لنكون مبشِّرين غير منفِّرين، ميسِّرين غير معسِّرين.

وإن مما عرَّف به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإيمان قوله: «الإيمان: الصبر والسماحة» (٣)؛ حيث عرَّف الإيمان بحسن المعاملة مع الخالق، والمعاملة مع المخلوق، وكأنما يريد بالصبر عَلاقة العبد مع ربه؛ بالصبر على طاعته، والصبر عن معصيته والصبر على أقداره، وكأنما أراد بالسماحة عَلاقة العبد بأخيه؛ بحيث تغلب عليها السهولة والمياسرة والسماحة، وقابلية التوسيع والتنازل لرضى الله، وفيما يرضي الله، وربما كان من حكمة الربط بينهما أن السماحة تقتضي قدرًا كبيرًا من الصبر والتحمل: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: ٤٣] فكن سمحًا إذا عاملت أو دعوت، سمحًا إذا حاورت


(١) شرح النووي لصحيح مسلم ٤/ ٤١٠ عند شرح الحديث ١٣٧ من كتاب الحج.
(٢) مسند أحمد ٤/ ٢٥٢.
(٣) صحيح الجامع - الحديث ٢٧٩٥ (صحيح).

<<  <   >  >>