وهذا الذي ذهبا إليه لا يلزم؛ إذ العرب تقول: استفهمت زيداً عن المسألة، وتقول: فهمني زيد المسألة، واستغفرت الله من الذنب كاستفهمت زيداً عن المسألة، ولم يجيء مجيء استعطمت، فلا يلزم من سين الاستفعال أن يتعدى الفعل بها إلى ما كان يتعدى إليه قبل دخولها. ويقطع ببطلان مذهبه أنّ س نقل أنّ بعض العرب يقول: استغفرت الله ذنبي، والجميع يقولون: استغفرت الله من ذنبي، فلو كان الأصل أن يتعدى بنفسه لكثر، ولقل تعديه بـ ((من)). فهذه الأفعال التي حُذف من مفعولها حرف الجر لا يقاس عليها غيرها، وجاز ذلك فيها لأن حرف الجر متعين، وموضع الحذف متعين، وهذه علة قاصرة لا تتعدى إلى غيرها من الأفعال.
وزعم علي بن سليمان الأخفش- وتبعه ابن الطراوة- أنه يجوز حذف الحرف إذا تعين مكانه قياساً على تلك الأفعال؛ /وطرداً لتلك العلة حيث وجدت، فأجاز أن تقول: بريت القلم السكين، أي: بالسكين؛ لأنه قد تعين المحذوف، وهو الباء، ومكان الحذف، وهو السكين، ومن ذلك قول زهير:
القائد الخيل منكوباً دوابرها ... قد أُحكمت حكمات القد والأبقا
أي: أُحكمت بحكمات القد وبحكمات الابق. ومنه قوله تعالى:{أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ}، أي: لأولادكم، دل على ذلك الاسترضاع؛ لأنه لا يكون إلا للأولاد.