للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[قول السادة المالكية رحمهم الله تعالى]

بعد أن بينا بتوفيق الله تعالى نقلًا مهمًّا عن الأحناف رحم الله الجميع، واقتصرنا عليه لأهميته وصراحته واعتنائهم به، نذكر الآن بحول الله وقوته قول المالكية.

وقبل البدء أود أن أبين أن نصوصهم واضحة في أن الطواف عبادة مختصة بالبيت المعظم متعلقة به؛ فقد قال الإمام مالك رحمه الله في الموطأ (ص ٣٦٩ رواية يحيى، ١/ ٥٥٤ رواية الزهري) عن قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه (فإن آخر النسك الطواف بالبيت): «إن ذلك فيما نرى والله أعلم لقول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: ٣٢]، وقال: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٣٣]، فمحل الشعائر كلها وانقضاؤها إلى البيت العتيق».

وقال أبو الوليد الباجي في المنتقى شرح الموطأ (٢/ ٢٩٠): «اعلم أن الطواف عندنا من شرطه الطهارة ... وأفعاله - صلى الله عليه وسلم - عندنا على الوجوب ودليلنا من جهة القياس أن هذه عبادة لها تعلق بالبيت، فوجب أن يكون من شرطها الطهارة كالصلاة». وانظر المنتقى (٢/ ٢١٧، ٢٨٦).

وقال ابن العربي رحمه الله في أحكام القرآن (٣/ ٢٨٨): «قوله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٣٣]: يريد أنها تنتهي إلى البيت العتيق، وهو الطواف؛ وهذا قول مالك: إن الحج كله في كتاب الله، يعني أن شعائر الحج كلها تنتهي إلى الطواف بالبيت، وقال عطاء: تنتهي إلى مكة، هذا عموم لا يفيد شيئا فإنه قد صرح بذكر البيت، فلا معنى لإلغائه، وكذلك قول الشافعي: إنه إلى الحل والحرم، وهذا إنما بنوه على أن الشعائر هي البدن، ولا بد فيها من الجمع بين الحل والحرم، ولا وجه لتخصيص الشعائر مع عمومها».

وقال ابن نصر البغدادي في المعونة على مذهب عالم المدينة (١/ ٥٧٢) في شأن الطواف: «ولأنها عبادة مختصة بالبيت فلم تجز إلا بطهارة كالصلاة». وانظر المنتقى للباجي (٣/ ٥٨).

والنص على أن الطواف عبادة متعلقة وخاصة بالبيت المعظم هو قول عامة الفقهاء من أصحاب المذاهب الكبار. انظر: المبسوط للسرخسي (٤/ ٣٨)، بحر المذهب للروياني (٣/ ٤٨٤)، المغني لابن قدامة (٥/ ٢٢٣، ٢٣١، ٢٤٨)، التعليقة الكبيرة لأبي يعلى (٢/ ١٢، ٢٧، ٥٣)، وغير ذلك، وهذا أصلٌ مهمٌّ متفقٌ عليه، لن أعيد ذكرَه عند سردِ أقوالِ المذاهب الأخرى، فليعلم!

<<  <   >  >>