الواحدة إلا خطوة واحدة، تخطوها إلى أمام؛ لتصبح بعد ذلك من (الماضي)، فلا يمكنك أن تسبح في النهر مرتين، كما قال الحكماء، وأما العرض فهو امتداد أفقي في الزمان الفسيح، إذ تتمتع بالمتعة الواحدة أبداً، وتعيش الشعور الواحد أبداً، وتغرف من اللحظة الواحدة معنى الخلود، صورته في الدنيا هي (بركة العمر)، حيث يبارك الله العمر القصير -ولا يكون العمر إلا قصيراً- ويزكيه؛ فينجز المؤمن فيه من الصالحات؛ ما يمكنه بإذن الله من الخلود في الجنة، وصورته في الآخرة: حياة سعيدة مطلقة في الزمان، سابحة في الجمال، تنعم بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
- فما أبلد من يستنزف طول عمره على حساب عرضه! ولا يسابق إلى هذا إلا من عرف الله ابتداء، ثم اكتشف هذا المعنى اللطيف (للحياة)، وذاق جماله، فسابق إليه، وإنما {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الحديد:٢١]، فكيف السبيل إلى ذلك، وكيف المسير؟ ذلك هو البلاغ الرابع من بلاغات الرسالة القرآنية، فيه بيان طريق العمل، ورسم معالم السلوك.